هو أسقف بتولومايس -إحدى المدن الخمس الواقعة في شمال أفريقيا- نحو أواخر القرن الثالث الميلادي.
لا يروي لنا التاريخ شيئًا عن طفولة هذا الأسقف العظيم ولا عن شبابه، ولكن الذي يرويه التاريخ هو جهاده الروحي العنيف في سبيل أبنائه من أهالي بتولومايس. ذلك أنه وجه كل عنايته إلى تعليم شعبه وتثبيته في الإيمان، وكان حين يعلم شعبه يصور لهم أمجاد السماء في صورة جذابة خلابة تفتنهم وتجعلهم يدركون أن آلام الحاضر لا توازي المجد المعد لجميع الذين يرضون الله. ولما سمع أريانوس والي المنطقة بتعليم بسوثي أقسم بأن يضع حدًا له، فأرسل على الفور رسالة أقسم بأن يضع حدًا له، فأرسل على الفور رسالة إلى الإمبراطور دقلديانوس الذي بعث برده مع الرسول عينه يقول فيه: "من دقلديانوس الإمبراطور إلى بسوثي: سلام. إن رضيت أن يخضع للأوامر الصادرة مني إليك بأن تبخر لآلهتي فإني أعطيك سلطانًا أوسع، وآمر جنودي بحراستك حيثما سرت، أما إن رفضت الإذعان فليس أمامك سوى الموت".
وحين وصل رسول الإمبراطور إلى بتولومايس كان الأنبا بسوثي يصلي القداس الإلهي فعلم بالروح مضمون الرسالة، وحالما انتهى من الصلاة استدعى إليه الرسول وقال له: "هل في وسعك أن تصنع معي معروفًا؟" أجابه الرسول: "إن كان في حدود سلطتي أصنعه معك بكل سرور". قال له الأسقف: "أمهلني يومًا واحدًا"، فقَبِل الرسول هذا الطلب. فجمع الأسقف كهنته وشعبه وأخذ يوضح لهم عظم المسئولية الملقاة عليهم وشرف الثبات على الإيمان المسيحي حتى النهاية.
بدأوا يبكون ويرجون منه أن يجد مخرجًا لنفسه من الموت المحقق الذي ينتظره، فقال لهم: "يا أولادي كل منا سيموت حتما إن عاجلاً أو آجلاً، لذلك كان من دواعي مجدي أن أموت الآن على اسم السيد المسيح مخلصي، فذلك خير لي من أن أعش مدة قد لا تتجاوز يومًا وقد تطول أعوامًا، وهذه المدة أعيشها وأنا خَجِل منخفض الجبين لأنني خنت عهد سيدي الفادي الذي بذل نفسه لأجلي. فتعالوا إذًا لنصلي جميعًا القداس الإلهي ولنشترك معًا في التناول من السر المقدس كي تتحصن به نفوسنا فنستطيع أن نطير إلى العلى بأكثر سرعة".
وقد تعزت قلوب الشعب بهذه الكلمات، ولما انتهى القداس رأى الشعب وجه الأنبا بسوثي يضيء بلمعان ساطع فامتلأت قلوبهم سكينة وعزاء، وساروا معه إلى حيث ينتظره الجند مهللين ومسبحين كأنهم سائرون في موكب عرس بهيج. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). وما أن أوصلوه إليهم حتى ودعوه من غير آهة واحدة، واقتاده الجند إلى الإسكندرية وسلموه إلى واليها الذي حاول بشتى الوسائل أن يقنع الأنبا بسوثي بالتبخير للآلهة، ولكنه أصر على الرفض. ثم زعم الوالي أنه قد يستطيع إرهاب الأسقف فرمى به في السجن وختم بابه بالختم الإمبراطوري وتركه خمسة عشر يومًا، ثم عاد إليه بعد هذه المدة وقاده إلى قاعة المحكمة.
ذهل الوالي حين رأى الأنبا بسوثي مضيء الوجه تشيع منه النضارة والبشاشة فقال له: "لابد أنك ساحر لأنني ختمت الباب وفضضته بنفسي الآن، وهذا يعني أنك بقيت في السجن الضيق القذر خمسة عشر يومًا محرومًا من كل طعام وشراب، وكنت أتوقع أن أراك نحيلاً شاحب الوجه لا تقوى على الوقوف، أما وقد وجدتك على غير ما توقعت فأظن أن لديك قوى سحرية تهر بها الجوع والعطش". ابتسم القديس في هدوء وقال له: "إني أشفق عليك يا صديقي العزيز لأنك لم تعرف بعد أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".
كانت الجماهير إذ ذاك قد تجمعت في دار المحاكمة وسمعت الحديث الذي دار بين الأسقف والوالي، فهتفوا: "يا أبانا القديس بسوثي إن إله المسيحيين هو الإله الحق". فهمس الوالي في أذن القاضي قائلاً: "أسرع بإصدار الحكم قبل أن تتزايد الجماهير ويفلت الزمام من أيدينا"، فصرخ القاضي بأعلى صوته: "خذوا هذا الرجل خارج المدينة واقطعوا رأسه".
ساقه الجند إلى الخارج وتبعته الجماهير، وفي الطريق اقترب شاب شماس من الأنبا بسوثي يسأله: "يا أبي لماذا ارتديت الثياب البيضاء التي ترتديها حين تقدم القرابين؟" فالتفت إليه الأسقف وهو مشرق الوجه وقال: "يا بني أنا ذاهب إلى حفل العرس فكيف لا ألبس الملابس البيضاء؟ وسأقابل ربي وإلهي في مجده، ولقد عشت السنين الطوال مشتاقًا إلى هذه المقابلة. أما أنت يا ابني فانضم إلى الجموع قبل أن يلحظ الجند أنك تحدثني، وغلى اللقاء في النور الأعظم".
ولما وصلوا إلى مكان الإعدام رفع الأنبا بسوثي عينه نحو السماء ورفع يديه إلى فوق وصلى بصوت عال قائلاً: "يا ربي وإلهي أحرس هذا الشعب واحفظه في الإيمان القويم وأرسل ملائكتك ليحيطوا به، وتقبل روحي بين يديك". ولم يكد ينتهي من صلاته هذه حتى رأت الجموع السيف يلمع في أشعة الشمس ثم يهوي على رجل الله، فسقط جسمه بينما طارت روحه مع جمهور الملائكة إلى مساكن النور.