كان معاصرًا للحاكم بأمر الله، الذي بدأ حكمه سنة 996 م، وكان بقيرة كاتبًا في ديوان الخلافة، ولما رأى البلايا التي أنزلها الحاكم بقومه اعتزل منصبه وحمل صليبه ودخل قصر الخليفة. ولما وصل إلى بوابته وقف وصرخ بأعلى صوته: "أن المسيح هو ابن الله"، فما أن وصلت كلماته مسامع الحاكم حتى استحضره وأمره بإنكار دينه، فكرر بقيرة في حضرته ما فاه به عند البوابة.
والغريب أن الحاكم لم يأمر بقطع عنقه وإنما اكتفى بإلقائه في السجن وتطويق عنقه بسلسلة حديدية، وذهب صديق له اسمه مينا ليعوده في السجن فوجده واقفًا يصلي في نشوة روحية عجيبة، فلما رآه على هذا الحال تهلل بالروح. وحينما همَّ مينا بالخروج سأل بقيرة إن كانت هناك أية رسالة يريد تبليغها لأهله، فقال له بقيرة: "قل لهم طيبوا نفوسًا لأنني سأكون معكم الليلة".
وقد تحققت كلمات هذا الشاهد الأمين، إذ قد جاءه مرسوم من الحاكم بالإفراج عنه ويمنحه الحرية في أن يتجول حيث شاء ويشتغل بما يروق له من المهن. وبهذا المرسوم خرج بقيرة وأخذ ينتقل بين عائلات القبط، يشجعهم ويعزي قلوبهم وينبئهم بأن هذه الشدة ستزول بعد ثلاثة أيام، ثم قرن كلماته المعزية بهدايا من الطعام والشراب، وظل بقيرة في تجواله وفي توزيع عطاياه خلال الأيام الثلاثة التي تنبأ عنها. وفي اليوم الرابع صدر مرسوم بتوقيع الحاكم يأذن فيه للقبط بأن يباشروا صناعاتهم وزراعاتهم وتجارتهم، وأن ينتقلوا حيث شاءوا بكل حرية، ومن أراد منهم أن يسافر إلى الحبشة أو غيرها من البلاد يستطيع ذلك دون مانع. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ وأقوال الآباء).
وظل بقيرة بعد هذا الفرج يوالي زياراته، فافتقد المحبوسين منهم والمعوزين والغرباء، وعثر ذات يوم على قبطي مسجون لأنه عجز عن أداء الضريبة المفروضة على من يعبر النيل فدفعها عنه، وبذلك هيأ له سبيل الحرية. ثم رأى بقيرة أن يقوم عند انبثاق الفجر ويبحث عن الأشخاص أو العائلات المعدمة تمامًا ويقدم لهم الطعام والشراب عن سعة. وذات يوم اشترى عددًا كبيرًا من الأرغفة وزعها كلها ولم يستبقِ منها غير رغيف واحد لنفسه، ولما كان معتادًا ألا يأكل إلا عند غروب الشمس، فقد جلس يومئذ ليأكل الرغيف في تلك الساعة، ولم يكد يأخذ منه لقمة حتى دق الباب ففتحه، وإذا بشيخ عجوز جاءه يطلب طعامًا، فأعطاه الرغيف على الفور لأن الدكاكين كانت قد أغلقت إذ كان الوقت ليلاً.