بلال فضل لا أحب الأفكار المعلبة التى تجعلنا نضع الناس فى قوالب لكى نستريح، لا أحب أن أسير فى القطيع ولو كان قطيعاً مشكلاً من الذين أحبهم وأتوافق معهم فكريا، أحب دائما أن أُعمل عقلى فى كل شىء حتى لو كان ذلك متعباً لى وجالباً لشتائم تعودت عليها خلاص ويضحكنى المجهود الذى يبذله البعض من أجل إيصالها إلىّ، لا أكتب من أجل أن أحصل على إجماع أو حتى توافق فقد كان غيرى من الكتاب أعظم وأشطر، ولذلك أنشر اليوم هذه الرسالة وهذا المقال سعياً للتفكير بشكل مختلف فى المسألة السلفية. الرسالة جاءتنى من الكاتب والروائى محمد شمروخ أنشرها كاملة بلهجتها الصعيدية الجميلة وأطرح للحوار والتدقيق ما جاء فيها من شهادة حول مسألة قطع الأذن، صديقى القناوى يتهمنى بنسيان أصلى، فقد قلت له يوما إن والدتى أصلا من سوهاج، ومن ساعتها يعتبرنى صعيديا لا يمكن أن يتنكر لأخواله، ولذلك يقول فى رسالته: «أعتب عليك يا أبوفضل لأنك شاركت إخوانّا القاهريين فى السخرية من ذلك المسكين الذى ألصقت به أحداث مباراة الزمالك وكأنه الوحيد بين الآلاف الذى نزل للملعب، بسبب أنه كان بجلابية، ومالها الجلابية يا عم بلال؟.. خلاص نسينا أصلنا وبقينا كلنا من روكسى وميدان فينى؟. ياعم بلال عمر الجلابية من عمر مصر ولم نرتد أنا وأنت (المنطلونات) إلا لأننا نعيش فى القاهرة، ثم إن عمر القميص والبنطلون والبدلة فى مصر لم يزد على 150 سنة منذ ظهورها وحتى الآن. ومع أننى من فئة لابسى البنطلونات، إلا أن هويتى الحقيقية وهوية غالبية المصريين من قبلى أو بحرى تكمن فى الجلباب الأصيل.. الحر.. لا فى البنطلونات المحزقة المخنوقة.. وكفاية كده فى موضوع الجلابية لأنى حاسس إنى (هاغلط) مع إنى أكتب لك وأنا لابس البنطلون يا حسرة. هذا عتاب أول، أما الثانى الذى جعلنى أكتب إليك فهو: لعلك يا صديقى تعرف جانباً من موقفى من التيارات السلفية، ولكن مع ذلك لن يجرمنى شنآنى لتشددهم أن أدلى بشهادة - أحسبها الحق- صادفتهم أم لم تصادفهم، ولا يمنعنى هيبة القافزين فوق الثورة أن أقول بحق إذا علمته، بصفتى واحداً من المنتمين إلى محافظة قنا، فقد حاولت قدر جهدى استقصاء الحقيقة فى واقعة الاعتداء على الأخ أنور ديمترى وموضوع قطع أذنه وما استتبعه من ردود أفعال نحن فى غنى عن سردها الآن. والحكاية ببساطة يا أبا الفضل أن ديمترى كان قبل الحادث فى موقف لا يحسد عليه، لأنه أجّر شقته فى قنا لسيدتين قيل إنهما (طفشانتين) - إن صح الاشتقاق- من أهلهما الذين لا يعرف أحد عنهم شيئا. وأنت تعرف يا سيدى (يعنى إيه بنات من غير أهل) وبما أننا فى قنا لا تحكمنا منظومة القواعد الأخلاقية المتحكمة فى شقق المفروش فى الدقى والعجوزة ووسط البلد، فلا مناداة بالحرية الشخصية ولا لعدم الأخذ بالشبهات، فكل ما فى الأمر أن مجرد وجود فتاتين فى شقة بمفردهما بلا رجل (يترد عليه)، هو بذاته شبهة وسند دستورى للاعتراض على ذلك. لذلك وبالتأكيد دار هذا الحوار (ياعم أنور أب ديمترى ما يصحش - أنا ماليش دعوة يابوى.. أنا ليا فلوسى أول الشهر - ياعم ديمترى واحدة من البنتين سمعتها «استغفر الله العظيم» - يا ود خالى وأنا مالى). وطبعاً العم أبو ديمترى استحى أن يقر بأنه مضغوط عليه من الرجل صديقه الذى توسط للفتاتين أن تسكنا شقته الخالية. على أساس أن أنور راجل غلبان وطيب ولن يجرؤ على اتخاذ موقف منهما! والكلام كتر يا عمنا وطبعا عندنا فى الصعيد الجوانى، سمعة البنت ليست عود كبريت مثل القاهرة، بل قد تتحول إلى «فوكوشيما» صعيدية، فالعار لا يلحق البنت ولا أهل البنت وحدهم ولا حتى الجيران الملاصقين، بل تظل طوال الدهر فى الحى أو البلد كله، وتتذكرها أجيال الأجيال وأنتم فى القاهرة مازالت عندكم أحياء موصومة بأنها كانت أحياء للدعارة.. ولا داعى لذكرها، حتى لا أؤذى مشاعرك كواحد زى حالاتى من القاهريين الجدد. المهم قرر بعض الشباب الغاضب و(الهائج) أن يتصدوا للبنتين ويخرجوهما عنوة، عسى أن تتطهر سمعة المنطقة التى تسكنها عائلات محافظة ومحترمة ولا ترضى بالعيبة. ولكن ديمترى كان لابد أن يحضر، فالشقة شقته والعفشة عفشته، فما كان من البعض فى الزحمة إلا أن قرروا ضربه وإهانته لأنه رضى بأن يلعب هذا الدور (اللا مؤاخذة) فكان لابد من تأديبه لأنه السبب فى جلب العار و(هوبا) اتلموا عليه وضربه أحدهم بسنجة وكما يحدث فى الخناقات الشعبية أصابت (الهبشة) أذن المسكين فاقتلعتها. والعم ديمترى لأجل خاطر العيشة والعشرة ولأنه برضك أصيل ويراعى العيش والملح قرر التصالح، فما لنا نحن الصعايدة ومال حقوق الإنسان ومنتجعات المجتمع المدنى وبرامج الأستاذ فلان والست علانة.. عيب يابوى يدخل بينا أغراب وخلوها تيجى فى السلفيين. ولكن من هم السلفيون دوكهمه يا خال؟!.. (يابيى... ما هما السنيَّة ياواد).. (الناس أمات دقون.. يعنى؟).. (أهه هما دول). باختصار عندما تم الاعتداء على العم ديمترى لم يفكر أحد فى أن السبب أنه مسيحى، فالخناقة لم تحدث بعد مناظرة بين ديدات وجاكسون، ولا كان ديمترى اهتم يوما بمثل ذلك لا هو ولا الذين قاموا بتأديبه بل ربما كان منهم من لا يصلى فى المسجد إلا يوم الجمعة بس. الحكاية ياعم بلال حكاية شرف الصعايدة ولا يمكن لسلفيين ولا غيرهم أن يسمح لهم بالانتقام لشرفهم. ولكن ما أن ترامت الحادثة إلى المسامع وإذا فيها طرف مسيحى ومسلم، حتى اشتعلت قنا ومصر كلها نارا.. بدليل إن أقرب خبر كُتب عن الحادث كان بعدها بثلاثة أيام حتى الأهرام نشرتها مانشيت (شفت الخيبة؟). ولكن إلصاق العملية كلها بالسلفيين كان عند البعض أفضل من إلصاقها بقبلية ما أو بإحدى عائلاتها بقنا، لأن أمن الدولة راجع تانى يا خالى.. ولابد من أن يدخل ولاد العائلات كلية الشرطة وكده ولا كده السلفيون لا يدخلون أبناءهم كلية الشرطة. ولعلى أكون مفشيا لسر قومى أن أفصح عما يدور فى الصدور الآن ويختلط بهمهمة ضحك، هو ضحك على الحكومة والصحافة والفضائيات والإنترنت كمانى يا ولداه.. (همه السلفيين يقدروا يعملوها؟.. دى تبقى عيبة.. هو البلد من غير كبير ولا إيه؟ ولا مافيهوش راجل. ولا عشان مالبسنا منطلونات منبقاش رجاله)». انتهت رسالة صديقنا الروائى الجميل محمد شمروخ، ونبقى مع المسألة السلفية التى يصلنى فى شأنها الكثير من الأسئلة لقراء منزعجين وبعضهم مذعور أكثر من اللازم، لذلك أحب أن أعيد نشر مقالة أعجبتنى لكاتب شاب أنا من أشد المعجبين بأفكاره وبأسلوبه هو الكاتب أحمد سمير الذى نشرت مقالته بعنوان (محمد حسان رئيساً للجمهورية) فى موقع «البديل» الإلكترونى وأحب لك أن تشاركنى فى قراءتها والتفكير فيها، يقول أحمد سمير: «أنا أؤيد ترشح محمد حسان لرئاسة الجمهورية. تعتقد أننى أمزح، وتبحث عن الإفيه الذى سأطلقه فى الجملة التالية..عذراً.. لا توجد نكتة فى الموضوع أنا فعلاً أؤيد ترشح حسان للرئاسة. آه نسيت.. أؤيد ترشح محمد حسان ولن أنتخبه، الترشح حق كل مواطن، حقه الترشح وحقى أن أفند خطابه، أعلم أن حسان لن يترشح لأسباب منطقية، أبسطها أنه سيهزم، ولذلك لست مذعوراً أرفع يدى للسماء صباح مساء كى يتكرم الشيخ وألا يرشح نفسه. حدوتة أن السلفيين سيكتسحون أى انتخابات لأنهم يخدعون البسطاء باستخدام الدين، وحسان مرشح يأخذك إلى الجنة محض كلام فارغ. أن أقنعك بنعم لأن مجلس الشعب المنتخب سيحافظ على المادة الثانية شىء وإقناعك بان تنتخبنى أنا شىء آخر تماما، وقياس قوة السلفيين فى الاستفتاء على انتخابات رئاسية اختزال مخل. الناس لا تنتخب رئيساً لأنها تريد دخول الجنة، هناك شبكة مصالح حقيقية على الأرض ستحشد ضد مشروع كهذا، أصحاب مقاهى، تجار وموظفون لا يريدون التورط مع إسرائيل، مسيحيون، فتيات غير محجبات، مدخنون، عاملون فى السياحة والبنوك، طلبة جامعة وطبقة وسطى يرونه بلا رؤية. التصور بأن هناك حرباً بين مائة ألف مثقف ومائة ألف سلفى وبينهما شعب مغيب هو هراء، الملايين التى صوتت بـ«نعم» أو «لا» توافقاً مع رأى الشيوخ والقساوسة فى الاستفتاء رأت أن اختيارها يخدم مصلحتها، والملايين التى نزلت للثورة مخالفة للشيوخ والقساوسة رأت فى مخالفتهم مصلحتها، بينما اختيار الرئيس تحكمه مصالح أخرى. فزاعة الإخوان سقطت بتوافق مجتمعى فى ميدان التحرير، فلماذا الإصرار على خلق فزاعة أخرى قبل الانتخابات البرلمانية، السلفيون غير منظمين، وليست لديهم كوادر سياسية إذ لم يشاركوا فى انتخابات طلابية أو نقابية، وخطابهم السياسى مراهق وملىء بالعنف اللفظى والتراجعات السريعة، وبالتالى الحديث عن اكتساح الانتخابات مريب أكثر منه سخيف. السلفيون سيشكلون جماعات ضغط (لوبى) تضغط من أجل قوانين (محافظة)، الكل سيهتم بأصواتهم لأن لهم تواجداً.. مع الوقت والسنوات ربما يطورون خطاباً سياسياً قادراً على التعبير عن شرائح ما. شخصياً أرى أن الحرية ستفرز لوبى طلابى وعمالى وليس فقط لوبى مسيحى وآخر سلفى.. وأجواء حرة ستنتج خطاباً مختلفاً عن دولة مدنية يعنى أمك متلبسش حجاب.. تختلف معى.. حقك.. يمكنك أن تجتهد فى التحذير من أفكارهم والتى أتفق معك أن الكثير منها وليد تحالف آل سعود وآل شيخ، لكن التناقض معهم فكريا شىء وقصص السلفيين بيشدوا شعر البنات فى الشارع شىء آخر، هناك ألف قضية يمكن الاختلاف حولها مع السلفيين بعيداً عن الكلام الواطى- لم تخطئ قراءة اللفظ- من نوعية.. الجيش ساكت عليهم ليه؟ والذى يبدو كأمنيات بدمج عشرات الآلاف من المصريين فى منظومة عنف. الكل يعلم أن استئصال السلفيين سيكون بداية لانقضاض على حرية لم تأت بعد.. فلا داعى لخداع مكشوف بأنه خوف من السلفيين، عشنا 30 سنة قمع انتهت بتواجد مكثف لهم على الأرض وليس إقصاءهم». انتهت مقالة أحمد سمير ومازال لنا حديث آخر فى المسألة السلفية حيث أنشر خلال هذا الأسبوع بإذن الله رسالة مهمة جاءتنى من أحد السلفيين. وعلى الله قصد السبيل. المصرى اليوم