مؤسس الحركة الرهبانية بنتريا أو برنوج، وهنا يلزمنا أن نميز بين ثلاث مناطق رهبانية بوادي النطرون، كثيرًا ما يحدث لبس بينهما:
1. منطقة نتريا أو برنوج، قبلت الشرارة الأولى للحركة الرهبانية في المنطقة بواسطة الأب أمون.
2. منطقة سيليا أو القلالي جنوب المنطقة السابقة بحوالي عشرة أميال.
3. منطقة شيهيت أو الإسقيط جنوب المنطقتين السابقتين.
رهبنته:
ولد حوالي عام 275م، بجوار مريوط ونشأ يتيمًا، وإذ بلغ الثانية والعشرين من عمره ألزمه عمه أن يتزوج بالرغم من رفضه، وإذ تم الزواج اتفقا أن يعيشا بتوليين. وبعد ثمانية عشر عامًا ذهب القديس إلى صحراء نتريا (مدينة نتريا أو البرنوج تبعد حوالي 14 كيلو مترًا جنوب غربي دمنهور)، كأول راهب يطرق هذه المنطقة. هناك بنى لنفسه قلاية مكث فيها 22 عامًا، وقد تعود أن يتفقد زوجته مرتين في العام، التي سكن معها عذارى تقيات. كانت منطقة نتريا تصلح كبداية للحركة الرهبانية لقربها من الريف ومن الصحراء في نفس الوقت، فكان الرهبان في البداية يعملون في حصاد القمح، كما يسهل عليهم اقتناء الكتان لنسجه بدل الخوص، ويمكنهم استخراج النطرون من البحيرة ونقله إلى القرى المجاورة وبيعه. غير أن المنطقة كانت مليئة بالبعوض بسبب المستنقعات. بدأت جماعات النساك تلتف حوله، ليعيش الكل في حياة وسطى بين نظام الوحدة والشركة، وكان الأب أمون أبًا لأول جماعة ديرية في نتريا تتلمذ على يديه آباء عظام. كان القديس أمون يزور القديس أنبا أنطونيوس يطلب بركته وإرشاده، وإذ زاره الأخير سأله إرشادًا من جهة بعض الاخوة الرهبان، إذ كانوا يطلبون أن يبنوا لأنفسهم قلالي منفردة لممارسة حياة الوحدة بحكمة، بعدما تناولا الطعام في الساعة التاسعة سارا معًا في الصحراء نحو الجنوب حتى بلغا الغروب، وهنا توقف القديس أنبا أنطونيوس وطلب أن يصليا ويرفعا صليبًا ليكون علامة لبناء القلالي. وكانت الحكمة من ذلك أنه أراد أحد الرهبان زيارة متوحد يمكنه أن يحقق ذلك بعد أن يتناول طعامه في التاسعة ليسير إلى المنطقة ويبلغها قبل الليل. وبالفعل بدأ المتوحدون يبنون القلالي وسميت "منطقة القلالي". شخصيته ودور نتريا لم ينل القديس أنبا أمون شهرة فائقة كالقديس أنبا أنطونيوس أو القديس مقاريوس الذي جاء بعده. بل وكان ينطلق إلى نتريا ليصلي في الكنيسة هناك، وذلك ربما بسبب ما اتسم به من الخجل والحياء الشديد، هذا بجانب هروبه من الجماهير ورفضه عمل المعجزات، بدعوى أنه لم ينل هذه الموهبة. لكن هذا لا يقلل من دوره الحيّ في الحركة الرهبانية، كأول مؤسس لها في هذه المنطقة، بل وتتلمذ على يديه آباء عظماء، وإن كان قرب منطقة نتريا من العمران مع شهرة آبائها سبب الكثير من المشاكل الكنسية، فكانت مطمع الأريوسيين والخلقيدونيين لمحاولة فرض سلطانهم على الكنيسة بإخضاع هؤلاء الآباء لهم، لهذا بعدما ازدهرت منطقتا نتريا والقلالي حتى بعد نياحة الأنبا أمون بدأت حركة هجرة للرهبان منهما. زار القديس بالاديوس نتريا بعد نياحة أمون بنصف قرن، حيث قدر عدد رهبان جبل نتريا بخمسة آلاف من بينهم 600 متوحدًا، ويوجد كنيسة ضخمة بجوارها بيت خلوة للضيوف، وكان الكل يمارس العمل اليدوي. كان من بينهم ثمانية كهنة يخدمون الكنيسة. معجزاته قيل أن بعض الفلاحين أحضروا له طفلاً عقره كلب وكان يعاني آلامًا مبرحة، فلما رآهم القديس أمون، قال لهم: "لماذا حضرتم لتطلبوا مني عملاً فوق استحقاقي، وفي أيديكم الدواء الشافي لهذا الطفل؟! أعيدوا البقرة المسروقة سرًا إلى صاحباتها الأرملة فيشفى الطفل". وإذ أدركوا أنه كشف عن خطيتهم قدموا توبة وردوا البقرة لصاحبتها، فصلى القديس وشفى الرب الطفل. يروى لنا القديس أثناسيوس أن القديس أمون كان مع تلميذه تادرس يريدان عبور نهر، وإذ عُرف القديس بخجله الشديد طلب أن يبتعد كل منهما لكي يخلع ثيابه ويسبح، وإذ ابتعدا خجل الأنبا أمون أن يخلع ثيابه حتى في غير وجود تلميذه، وإذ هو متألم في نفسه وجد نفسه على الشاطئ الآخر. جاء تلميذه فوجده واقفًا على البر وثيابه جافة، فأخذ يسأله بإلحاح كيف عبر، فأخبره بما حدث طالبًا منه ألا يروي ذلك لأحد قبل نياحته. نياحته يذكر لنا القديس أثناسيوس أن أنبا أنطونيوس كان جالسًا ذات يوم فرأى شخصًا صاعدًا إلى السماء، ترحب به جموع القديسين، وعندما أراد أن يعرف من هو، قيل له أنه آمون، وبعد ثلاثين يومًا أقبل بعض النساك من جبل نتريا وأخبروا القديس أنبا أنطونيوس عن نياحة أبيهم. تعيِّد له الكنيسة في 20 بشنس أما الكنيسة اليونانية ففي 4 أكتوبر.