بدايةً، نحيى المجلس العسكرى على موقفه المحترم بإطلاق سراح أسماء محفوظ، ولؤى نجاتى، ما جعل جموع المصريين تطمئن، قليلاً، إلى عودة الثورة إلى مسارها الصحيح، هذا إذا ما اتفقنا على أن أول أهداف ثورتنا الشريفة هو كرامة المواطن المصرى، صامتًا كان أو مُبديًا رأيه.
لم تقم ثورتنا من أجل الإطاحة بطاغوت بشرىّ، قُوامه حاكمٌ شمولى أخفق فى حبِّ شعبه، وحكوماتٌ متعاقباتٌ فاسدات أرهقت المواطنَ الكادح وحرمته من أوليّات الحياة، وعصبةٌ من رجال الأعمال سرقوا خير مصر واحتكروه، بل قامت ثورة يناير بالأساس للإطاحة بطاغوت معنوىّ جعل المصرىَّ، على مدى ستين عامًا، لا يشعر بانتمائه لهذا الوطن، فراح شبابُ بلادى يناقض مصطفى كامل هاتفين: «لو لم أكن مصريًّا، «ما» وددتُ أن أكون مصريًّا!»، ويغنّى بصوتٍ ممرور: «سألونى بتحب مصر؟ أنا قلت معرفشى!» وبات، يومًا بعد يوم يفقد شعوره بحقوقه، فيُقصِّر فى واجباته، حتى خربت مصر.. قامتِ الثورةُ لأن المصرىَّ ضجر من حكومات تراه زائدًا عن الحاجة، «وقلّته أحسن»، حكومات تفنّنت فى إمراضه وتجهيله وتجويعه مع سبق الإصرار والترصد.. حكومات علّمت المواطنَ المصرىَّ أن يقف أمام «أمين الشرطة» مُطاطئ الرأس وهو يناديه بـ«الباشا»، مثلما علّمت أمينَ الشرطة أن يمدّ يده للمواطن، الفقير مثله، ليزداد الاثنان فقرًا وقهرًا.. حكومات علّمت المواطن أن يباشر نهارًا مشحونًا بالإهانات، والمكاره، ليعود إلى بيته المتقشف فى المساء وهو يردّد: «الحمدُ لله أننى مازلتُ حيًّا!»، حكومات علّمتنا أن نصمتَ ونصمت حتى قال العالمُ: «لو ثار أبو الهول، لثار المواطنُ المصرى!».
حتى الآن، فى تقديرى، لم تحقق ثورتنا إلا مغنمًا وحيدًا، مُهمًّا.. أن يتعلمَ المصرىُّ كيف يقول: «لا»، بعدما نسى طويلاً كيف ينطق هذين الحرفين الشريفين، سبعةُ شهور، هى فى عمر الزمان لمحةٌ خاطفة، تحاول جاهدةً أن تغسل صمتَ ستين عامًا.. فهل يحقُّ لنا أن نحاكمَ طفلاً يتعلّم الحبوَ ويلتقط حروَفَه الأولى، لأنه لا يجيد القفزَ على الزانة، ولا ينظم الشِّعرَ العظيم؟! لابد من عثراتٍ فى الخطا الأولى، وثأثآت فى نطق الكلمات الأولى من قاموس: «الديمقراطية».. حنانيكم على شبابنا الجميل الذى انتزع من صدورنا صرخة: «اِرحلْ» التى أخفقت أجيالُنا فى تلفظِّها! حنانيكم لأن عليهم رِهانُ بناء مصرَ الجديدة التى نحلم بها.. دعوهم يتعلّمون مفردات كتاب الحرية المقدس، دون تعجّل بالتجـويد مع السطر الأول! دعونا نتقبل عثرات التعبير عن الرأى، إن حدثت، بصدر رحبٍ، مفتوح على سماء الثورة.
لهذا، ننتظر من المجلس العسكرى سرعة إخلاء سبيل الناشط الشاب «مايكل نبيل سند»، المدوّن المحكوم عليه بثلاث سنوات، وتعويضه عن الشهور الخمسة التى قضاها فى ظلمة المعتقل، وكذا جميع المعتقلين السياسيين الآخرين.
ننتظرُ أن تتوجه جهودُ المجلس العسكرى نحو دعم موقف وزارة الخارجية بشأن رفع دعوى قضائية ضد «الشىء الصهيونىّ» الذى يقتّل أبناءنا ويستحلّ دماءهم، فإسرائيل لم تحترم اتفاقية السلام التى انتزعتها منّا انتزاعًا، بعيدًا عن إرادة المصريين، فى لحظة موازنات سياسية، نرجو أن يستثمر المجلس العسكرى هذا الانتهاك لنلغى بند نزع السلاح عن سيناء، فتعود من جديد تظللها الحمايةُ العسكرية المصرية، فما هى إلا ثغرُ مصرَ المفتوح على باب عدو تاريخىّ، لن تمحو عداوته لنا اتفاقيةُ سلام، أيضا نمزق عقد تصدير الغاز إليهم، فـما يحتاجه بيتك يحرم على الجامع، فما بالك بالعدو!
كذلك نطالب المجلس العسكرى بإيقاف التعامل الدبلوماسى مع حماس ومنع رجالها من دخول مصر، ننتظر من القابضين على زمام مصر أن يحموها من شرّ الخارج، وأن يترفقوا بالداخل الطيب: قلب مصر. وإذا نظرنا داخل قلب مصر، سوف نجد فى مركزه أولئك الشباب الثائر الذى قال: «لا»، وقت قال الآخرون: نعم.
ننتظر بشغف أن تفرح قلوبنا بخروج مايكل نبيل ورفقائه من وحشة زنزانة لا تليق بثوار شرفاء.